ولد المجاهد الشهيد علي ثليجي المدعو سي عمار في يوم 26 ديسمبر 1923 بمدينة الأغواط من أسرة متواضعة ومحافظة. فقد كان أبوه يعمل في ميدان البناء. ولما بلغ علي سن الطفولة فقد والده فعاش يتيماً في كفالة عمه، الذي تولى تربيته وتعليمه وعوضه حنان الوالد وأحسن تنشئته، وقد ظهرت ملامح شخصية علي منذ نعومة أظافره، فكان يمقت الظلم والاستعباد ويثور متى شعر بالذل والإهانة، وفي الوقت نفسه اتسم بالتسامح وحب الخير وبذل كل ما في وسعه من أجل سعادة الآخرين .
وقد تجلت فيه علمات النبوغ و التفوقوهو في مرحلة التعليم الإبتدائي، وعرف بحدة الذكاء وسرعة البديهية وقوة الإرادة، وروح المثابرة، والميل إلى المرح والترويح عن النفس. ولم يتنازل قط عن المراتب الأولى في جميع امتحانات المرحلة الإبتدائية وبفضل هذه الميزات و السلوكات تمكن بقوة من الفوز بمقعد في ثانوية ابن الشنب بالمدية والتي قلما يحصل جزائري على مقعد في مرحلة التعليم الثانوي بها ، غير أنه لم ينهي دراسته فيها فغادرها ليجد نفسه جندياً في الجيش الفرنسي، وكانت الصدمة عنيفة عندما بلغ هذا النبأ أسرته، فلم تكن تتوقع منه هذا التصرف لأن أبناء الجنوب في ذلك العهد غير ملزمين بتأدية الخدمة الإجبارية في الجيش الفرنسي، ومن اراد ذلك بمحض إرادته فله ذلك ، والعجيب أن على ثليجي لم يستشر أحد من أسرته ولا من اقاربه. ولعل التفسير الوحيد لهذا التصرف هو تذمره من تصرفات السلطة الاستعمارية اتجاه المناضلين، لاسيما بعد أن أعتقل أخوه محمد الثليجي وزج به في السجن وواجه أبشع أنواع التعذيب والتنكيل، ولم يلبث بالجيش وقت طويل حتى نفته السلطات الإستعمارية إلى فرنسا فأودعته السجن ومن هناك كتب مقالا في جريدة فرنسية يصف فيه معاناة المعتقلين الجزائريين في سجون فرنسا. فقد يكون هذا الوضع المتأزم وما وقع لأخيه وغيره من المناضلين وخاصة من حزب الشعب الجزائري هو الذي دفع به إلى التجنيد في الجيش الفرنسي لأنه كان المتنفس الوحيد الذي لجأ إليه الكثير من أمثاله علهم بذلك يجدون الوسيلة الوحيدة لإثبات الذات، وأثناء وجوده في الجيش الفرنسي تنقل إلى جهات كثيرة من بينها الجنوب الجزائري ومنها إلى الهند الصينية ليستقر به المقام في المغرب الشقيق، وكان آنذاك ضابطاً في سلاح الإشارة ونظراً لمواهبه وذكائه الحاد وقوة شخصيته إكتسب خبرة عالية في ميدان العمل وبحكم الإتفاقات العسكرية التي تلزم فرنسا كدولة مستعمرة بوضع امكانياتها تحت تصرف الجانب الآخر. كان الرائد علي ثليجي من بين الضباط الذين وضعوا تحت تصرف الجيش الملكي المغربي لمساعدته في اقتناء مفاهيم الإشارة بما في ذلك استعمال الراديو والصيانة وغير ذلك من المسائل المتعلقة بهذا الجانب. فقدم خدمات جليلة ومعتبرة للجيش الملكي، ومازال كذلك إلى ان التحق في شهر جوان 1956بجيش التحرير الوطني بواسطة الأخوين الطيب بن يخلف وإبن شنهو الذي كان موظفاً في الإدارة المغربية وكان اتصاله الاول بالعقيد عبد الحفيظ بوصوف “سي مبروك” الذي أسند له إدارة أول مدرسة جزائرية للإشارة حيث تخرجت على يده أول دفعة في شهر أوت 1956 تحمل إسم الشهيد “أحمد زبانة” وذلك في خلال شهر فقط عوض مدة التكوين القانونية التي تستغرق سنة على الأقل تلتها دفعات أخرى كانت بمثابة القاعدة الاساسية لسلاح الإشارة. كما أشرف الرائد علي ثليجي بالتعاون مع سي موسى على بث أول إرسال لاسلكي من الحدود المغربية إلى غاية القاهرة عبر حوالي ثلاثة آلاف كلم 3000 عبر الجو حيث تعرف المراسلان الجزائري والمصري على هوية كل منهما رغم محاولات التشويش اللاسلكية التي كانت تبثها فرنسا إنطلاقاً من محطتها بإبن عكنون الجزائر ويومها كانت فرحة العقيد بوصوف عظيمة لا توصف فرحته بهذا الجهاز العظيم الذي فتح آفاقاً جديدة للثورة الجزائرية ودفعها اكثر للمضي نحو انتزاع نصر جديد عبر الفضاء. ومن ثم تشكلت فرق الإشارة من المتخرجين الجدد كلف سي بومدين “الرئيس الراحل هواري بومدين ” بمهمة إدخالها إلى الجهة الغربية من الوطن. وفي ديسمبر 1956 أشرف الرائد علي ثليجي على اول إرسال بصوت الجزائر الحرة من الحدود المغربية حيث كان لها الأثر الكبير في نفوس الجزائريين وتلتها بتطوان. واستمر مع رفقائه في الإشراف على المعدات لتكوين التخصص في الإشارة، وقد اشتهر بقدرته الفائقة في فك رموز مراسلات العدو.
وهذه عينة من الاعمال الجليلة التي جاءت بها عبقرية هذا المجاهد وما تزال راسخة في أذهان رفقائه المجاهدين الذين عرفوه عن كثب واستفادوا من خبرته ومهاراته ولما سطع نور فجر الحرية والاستقلال كان له الفضل ببناء القاعدة الأساسية لوزارة البريد والمواصلات الوطنية ومازال يعمل بنفس المهمة والإرادة والإخلاص إلى أن وافته المنية إثر حادث سيارة أليم سنة 1965 رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع الصدقيين والشهداء وأولئك أحسن رفيقاً.